منطقة البحر الأحمر على مفترق طرق.. إما تهدئة هشة أو تصعيد إقليمي يعيد رسم خرائط النفوذ

الساعة : 16:04
16 ديسيمبر 2025
منطقة البحر الأحمر على مفترق طرق.. إما تهدئة هشة أو تصعيد إقليمي يعيد رسم خرائط النفوذ

المصدر: آرمد كونفليكت لوكيشن آند إيفينت داتا (ACLED)

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

يقف البحر الأحمر اليوم عند مفترق طرق؛ فقد تنزلق توترات عام 2025 إلى صراع متجدّد أو قد تفسح المجال أمام استقرار هشّ، في ظل مؤشرات متزامنة على خفض التصعيد من جهة واستمرار الضغوط والتوترات من جهة أخرى.

إن وقف إطلاق النار الأخير بين "إسرائيل" وحركة حماس يثير تساؤلات حول مستقبل عمليات الحوثيين؛ فقد أطلقت الجماعة هجماتها في البحر الأحمر بوصفها أعمال تضامن مع فلسطين، بهدف الضغط على "إسرائيل" لوقف حملتها في غزة. ومع ذلك، فقد علّق الحوثيون تلك الهجمات مع تحذيرهم من الردّ إذا استؤنفت العمليات على نطاق واسع، وفي حال انهار وقف إطلاق النار، يُرجّح أن يعاودوا استهداف "إسرائيل"، مع الاحتفاظ بضرب السفن التجارية لأهداف أكثر استراتيجية.

ورغم أن وقف الهجمات حاليًا يعتبر إشارة إيجابية على صعيد الاستقرار الإقليمي، لكنه لا يغيّر المعادلة الأساسية؛ إذ ما زال الحوثيون يحتفظون بقدرات بعيدة المدى في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ، وهي قدرات أعادت تشكيل ميزان القوى في البحر الأحمر، ويسعون لتحقيق أهداف طموحة في مرحلة ما بعد غزة، تشمل هزيمة "إسرائيل" و"تحرير" المسجد الأقصى، وفرض السيطرة على الممرات المائية الإقليمية. كما برزت الجماعة كقوة محورية داخل "محور المقاومة" الذي أصبح أضعف حاليًا، في ظل تراجع نفوذ أطراف أخرى ضمن الشبكة. بدورها، كثّفت إيران مؤخرًا نقل الأسلحة والخبرات، متوقعةً أن يتدخل الحوثيون نيابةً عنها عند الحاجة؛ ويتجلى هذا الاصطفاف في العمليات الحوثية الأخيرة التي صارت تستجيب سريعًا لأحداث لا ترتبط بغزة مباشرةً، مثل الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إيران أو عقوبات "سناب باك" الأممية.

في هذا الإطار، قد تتطور أشكال التعاون البراغماتي بين الحوثيين وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" وحركة "الشباب" وتنظيم "داعش" في الصومال، وهو تعاون يتركز حاليًا على تبادل الأسلحة، إلى شبكة استراتيجية مدعومة من إيران، قادرة على زيادة زعزعة الاستقرار الإقليمي وممارسة نفوذ على القوى الإقليمية والدولية على حد سواء. ففي اليمن، ما زال وقف الأعمال العدائية بين الحوثيين وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" صامدًا، فيما يتطور التنسيق العملياتي وتتوسع شبكات التهريب مع حركة "الشباب". وقد تحاكي الجماعات الإسلامية في القرن الأفريقي نموذج الحوثيين، عبر تبنّي تكنولوجيا الطائرات المسيّرة لتهديد الملاحة، بينما ينذر تدفّق الأسلحة المهرّبة بتعزيز قدراتها العملياتية وتقويض جهود الاستقرار في الصومال وبعثة الاتحاد الأفريقي.

لكن رغم قتامة المشهد، لا تخلو الصورة من مؤشرات إيجابية وفرص واعدة؛ فقد يفتح وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس الباب أمام مفاوضات سلام في اليمن. ومع محدودية شهية القوى الإقليمية لتجديد التدخل العسكري، فإن توقف الهجمات في البحر الأحمر يوفّر هامشًا لاستئناف المحادثات بين الحوثيين والرياض بشأن خارطة الطريق الأممية للسلام. وأي اتفاق محتمل سيتطلب ضمانات صارمة بعدم استئناف الحوثيين هجماتهم في البحر الأحمر، وقد يتيح كذلك إمكانية رفع تصنيفهم كمنظمة إرهابية.

من ناحية أخرى، وفي ظل سعيها الحثيث لتقديم نفسها وسيطًا إقليميًا، قد تستثمر السعودية الزخم الراهن لإحياء النقاش حول إنشاء هيئة لتنسيق أمن البحر الأحمر، وهي فكرة طُرحت لأول مرة عام 2020 ضمن مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

ودون تنسيق فعلي وجاد، ستظل المنطقة شديدة الهشاشة أمام الصراعات بالوكالة، والتصعيد المفاجئ، واضطرابات التجارة العالمية، في ظل سعي الفاعلين من دول الخليج وحكومات القرن الأفريقي والقوى الدولية وراء أجندات خاصة متنافسة. وعليه، فإن التوقف الحالي للأعمال العدائية يوفّر نافذة ضيقة لتحقيق الاستقرار، وبناءً على مدى استعداد الأطراف المعنية لاغتنامها من عدمه يمكن تحديد إذا كان البحر الأحمر سيتجه نحو تهدئة مستدامة، أم سينزلق مجددًا إلى دوّامة عدم الاستقرار.