المصدر: موقع مجلة بوليتيكو
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
كتبت "نهال طوسي"، كبيرة مراسلي الشؤون الخارجية في "بوليتيكو"، مقالًا عن رحلة "ترامب" الأخيرة إلى الشرق الأوسط، تناولت فيه بالنقد والتحليل، الدول التي اختارها الرئيس الأمريكي لتكون وجهته في هذه الزيارة، ولماذا استثنى "إسرائيل" من هذه الرحلة ودلالة ذلك، من خلال ما ذكره لها مسؤولون "إسرائيليون" وأمريكيون.
تغيّر ديناميكيات الشرق الأوسط في عهد رئيس أمريكي ينظر إلى العالم من منظور مالي:
مع انتشار أنباء عن احتمال منح قطر الرئيس الأمركي، دونالد ترامب، طائرة فاخرة، تداول مواطنون "إسرائيليون" في مجموعات الدردشة اقتراحًا حول كيفية مواكبة هذا العرض؛ بمنح ترامب "جراچًا" خاصًا به في ظل كابوس المرور الذي تعاني منه تل أبيب. وإن كانت هذه مزحة بالطبع، لكنها تؤكد حقيقةً تتضح لـ"الإسرائيليين" بشكل غير مسبوق على خلفية جولة "ترامب" في الشرق الأوسط؛ فمقارنةً بالعديد من جيرانها لا تملك "إسرائيل" كثيرًا من المزايا المالية الملموسة لتقدمها لرئيس أمريكي، أسلوبه المفضل في إدارة شؤون الحكم هو الاقتصاد.
لطالما قدم الرؤساء الأمريكيون من كلا الحزبين دعمًا شبه غير مشروط إلى "إسرائيل"، لكن "ترامب"، كما هو معروف، اتبع نهجًا في الرئاسة أكثر ميلًا إلى الصفقات، والذي يرى البعض أنه ضرب من الفساد، خصوصًا في ولايته الثانية. فهو يريد صفقات وصفقات ومزيدًا من الصفقات، سواءً كان ذلك لمساعدة الشعب الأمريكي ماديًا أو لنفسه ولعائلته. فدول مثل السعودية وقطر والإمارات، التي زارها "ترامب" مؤخرًا، تعرض استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة، والسماح للشركات التابعة لها بإبرام صفقات مع شركات عائلة "ترامب"، وشراء كميات هائلة من الأسلحة الأمريكية؛ فمن جهتها تعهدت المملكة وحدها باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، بما في ذلك 142 مليار دولار في مبيعات الأسلحة.
من ناحية أخرى، تعتمد "إسرائيل" على مليارات دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين كل عام لمساعدتها في شراء الأسلحة، ويجب عليها إعادة التفاوض قريبًا على صفقة رئيسية تتعلق بتلك المساعدات العسكرية. وليست "إسرائيل" دولة نفطية، وهذا هو السبب الرئيسي لافتقارها إلى ثروات دول الخليج العربية، إضافةً إلى أنها غارقة في حرب باهظة الثمن في غزة يريد "ترامب" وضع حد لها.
عندما سألت مسؤولين أمريكيين و"إسرائيليين" حاليين وسابقين عما إذا كان بإمكان "إسرائيل" فعل أي شيء لمضاهاة السخاء المالي لدول الخليج، كانت الإجابة صريحة: "لا شيء". من المعروف أن "إسرائيل" تتمتع بنقاط قوة؛ مثل علاقاتها السياسية في واشنطن، وتعاونها الأمني والتكنولوجي والاستخباراتي مع الولايات المتحدة، وتاريخ شراكتها العريق، كما يشعر كثير من الأمريكيين بعلاقة خاصة معها لكونها موطنًا للأماكن المقدسة للعديد من الأديان. لكن عندما يتعلق الأمر بهذا الرئيس الأمريكي وهذه اللحظة، فإن غياب العروض الاقتصادية "الإسرائيلية" يُشكل عائقًا محتملًا في قدرتها على التأثير على "ترامب"، وما يزيد الطين بلة أن "إسرائيل" دولة ذات احتياجات دائمة ومعقدة.
وكما قالت لي المحللة "الإسرائيلية"، شيرا إيفرون: "ترامب يدور حول ترامب وأمريكا أولًا، أليس كذلك؟"، مؤكدةً على أن الاقتصاد ليس سوى بُعد واحد من أبعاد عديدة في العلاقة الأمريكية "الإسرائيلية"، لكنها أضافت: "إنه ذاهب إلى الدول العربية وهم يعاملونه معاملة الملوك، هناك ملعب غولف لترامب، وفندق، وطائرة، وكل هذه الأشياء. السؤال هو: متى يريدون استخدام هذا النفوذ الاقتصادي الذي يتمتعون به معه ليطلبوا منه كبح جماح "إسرائيل" في غزة وإيران، وتحقيق الاستقرار في المنطقة؟"
إن هناك دلائل على أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، يدرك أن نفوذ الدول العربية قد يكون متزايدًا؛ فقد تسرّبت أنباء تفيد بأنه أبلغ المشرعين "الإسرائيليين" أن بلاده بحاجة إلى تقليص اعتمادها على المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تبلغ حوالي أربعة مليارات دولار سنويًا. وقد يُرضي هذا "ترامب"، ويُخفف من حدة التوتر داخل الحزب الجمهوري الذي يُشكك في كرم الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل"، فقد روّج "ترامب" وعديد من مؤيديه على نطاق واسع لفكرة أن على حلفاء أمريكا إنفاق المزيد من أموالهم الخاصة على الدفاع. وتأتي تصريحات "نتنياهو" في الوقت الذي بدأ فيه البلدان التفكير فيما سيتبع اتفاقية السنوات العشر بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، بشأن المساعدات العسكرية الخارجية، والتي تنتهي عام 2028.
في عهد "ترامب" ينبغي على المسؤولين "الإسرائيليين" "الاستعداد لمفاوضات تقوم على مبدأ الصفقات، مع التركيز بشكل كبير على ما ستفعله "إسرائيل" للولايات المتحدة وما ستكسبه الولايات المتحدة من مذكرة التفاهم"، كما أخبرني السفير الأمريكي السابق لدى "إسرائيل"، دان شابيرو. ومن الدلائل الأخرى على إدراك "إسرائيل" لتزايد نفوذ الدول العربية على "ترامب" أن وزير الخارجية "الإسرائيلي، جدعون ساعر، أشار إلى أن الوقت قد حان لحكومته لتوطيد علاقاتها مع القيادة الجديدة في سوريا، وهو تحول ترغب العديد من الدول العربية في رؤيته. كما صرح "ترامب" بأنه سيرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، وأنه يفعل ذلك جزئيًا لإرضاء مضيفه في ذلك اليوم، الحاكم الفعلي للسعودية، محمد بن سلمان.
لقد عاد "ترامب" إلى البيت الأبيض وهو متقلب المزاج، لدرجة أن كل شيء قد يكون مختلفًا بحلول منتصف العام. وبإمكان "إسرائيل" اتخاذ خطوات عديدة تتجاوز ما ذكره "نتنياهو" و"ساعر" لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، بما في ذلك تعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني، كما يمكنها التعهد بأن إنفاقها العسكري المستقبلي، أيًا كان مصدره، سيعزز صناعة الدفاع الأمريكية بشكل أكبر. فيمكن لـ"إسرائيل"، على سبيل المثال، استخدام خبرتها في الدفاع الصاروخي، وتحديدًا برنامج القبة الحديدية، لمساعدة "ترامب" على تحقيق هدفه المتمثل في نظام درع مماثل للولايات المتحدة، كما قال "روب ساتلوف"، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. أما في الوقت الحالي، فإن الشعور السائد في المؤسسة "الإسرائيلية" هو شعور بالقلق، لا سيما وأن "ترامب" يُنظر إليه على أنه شخص لا يمكنهم تجاوزه.
لقد قال لي مسؤول "إسرائيلي" إنه إذا اتخذ الرئيس "جو بايدن" الخطوات التي اتخذها "ترامب" في الأشهر القليلة الماضية، "لكان الجميع في إسرائيل، بما في ذلك الحكومة، قد فقدوا عقولهم ووصفوه بأنه معادٍ لإسرائيل". لكن العلاقة مع "ترامب"، ناهيك عن الجمهوريين الذين عزز "نتنياهو" علاقته معهم بينما كان ينتقد الديمقراطيين إلى حد كبير، مختلفة. وقال المسؤول إن "نتنياهو" لا يريد أن يوبخه "ترامب" علنًا كما فعل مع الزعيم الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي. وأضاف المسؤول: "هناك محادثات خاصة تنتقد ترامب تُسرّب بحذر، لا سيما عبر وسائل الإعلام "الإسرائيلية"، لكن الناس يحرصون بشدة على عدم التحدث علنًا".
إن "نتنياهو" مقيد بالسياسة الداخلية وبطموحاته؛ فهو يريد البقاء في السلطة (ما قد يُساعده على الهروب من تهم الفساد)، لكن هذا يعني الموازنة بين مطالب شركاء الائتلاف اليمينيين المتطرفين الذين يريدون الاستيلاء على غزة وطرد سكانها، وضم الضفة الغربية، وحتى الآن انصاع إلى حد كبير لمطالب اليمين "الإسرائيلي" المتطرف بمواصلة الحرب. وربما يكون "ترامب" (عن غير قصد) قد حاصر "نتنياهو" بطرحه اقتراحًا لطرد فلسطينيي غزة وتحويل القطاع إلى وجهة سياحية أمريكية، وقد حفّزت هذه الفكرة اليمين "الإسرائيلي" المتطرف الذي يُسيطر الآن على "نتنياهو".
بالمقابل، أدان جزء كبير من المجتمع الدولي الخطة باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، لكن هذا يتوافق (بطريقة ما) مع رؤية "ترامب" للعالم، التي تميل إلى تقديم الاستقرار المادي والاقتصادي على الحقوق السياسية، وفقًا لمحلل مقيم في الولايات المتحدة وله صلات بجميع أطراف الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني. لقد دُمرت غزة بعد أكثر من عام من الحرب، ولا يفهم "ترامب" سبب رغبة أي شخص في البقاء هناك، فقال المحلل: "إنه ليس مثل، 'اذهب إلى الجحيم مع الفلسطينيين'، بل، 'لماذا تريد العيش هناك؟ اذهب واستمتع بحياة جميلة في مكان آخر'". وأكد المحلل أن "إسرائيل" ليست في وضع غير مؤاتٍ ماليًا فحسب، بل إنها أيضًا تُحبط "ترامب" لأن لديها كثيرًا من المطالب والاحتياجات، فقال: "توقف عن الإزعاج".
قد يستطيع "نتنياهو" أن يكسب العديد من النقاط مع "ترامب" إذا أنهى الحرب في غزة، وهذا تصريح سمعته من العديد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين، لكنهم كانوا يميلون إلى ربطها بنكتة: إنهاء الحرب قد يعني فوز "ترامب" بجائزة نوبل للسلام؛ وإن كانت ليست طائرة، لكنها لمسة من التألق ترضي غروره كذلك.